قال أبو بكر: المسكين معناه في كلام العرب الذي سكَّنه الفقر أي قلل حركته واشتقاقه من السكون يقال قد تمسكن الرجل وتسكن إذا صار مسكيناً وتمدرع وتدرع إذا لبس المدرعةواختلف أهل اللغة في الفرق ما بين الفقير والمسكين فقال يونس بن حبيب : الفقير أحسن حالا من المسكين وقال الفقير الذي له بعض ما يقيمه والمسكين الذي لا شيء له واحتج بقول الشاعر :
أَمّا الفقيرُ الذي كانتْ حلوبتُهُ **وَفْقَ العيالِ فلم يُتْرَكْ له سَبَدُ
فقال ألا ترى أنه قد أخبر أن لهذا الفقير حلوبة وقال قلت لأعرابي: أفقير أنت أم مسكين فقال لا والله بل مسكين أي أنا أسوأ حالاً من الفقير .
ويروى عن الأصمعي أنه قال: المسكين أحسن حالاً من الفقير وبذلك كان أبو جعفر أحمد بن عُبَيد يقول وهو القول الصحيح عندنا لأن الله تعالى قال :
" أمّا السفينة ُ فكانت لمساكين يعملون في البحر فأَرَدْتُ أنْ أَعِيبَها "
فأخبر أن للمساكين سفينة من سفن البحر وهي تساوي جملة من المال وقال الله تعالى :
"للفقراءِ الذين أُحْصِروا في سبيلِ اللهِ لا يستطيعونَ ضَرْباً في الأرض يحسبُهُمُ الجاهلُ أغنياءَ من التعفُّفِ تعرِفُهُم بسيماهُم لا يسألونَ الناسَ إلحافاً "
فهذه الحال التي أخبر بها - تبارك وتعالى - عن الفقراء هي دون الحال التي أخبر بها عن المساكين
والذي احتج به يونس من أنه قال لأعرابي أَفقيرٌ أنت فقال لا واللهِ بل مسكينٌ يجوز أن يكون أراد لا والله بل أنا أحسن حالاً من الفقير والبيت الذي احتج به ليست له فيه حجة ؛لأن المعنى كانت لهذا الفقير حلوبة فيما مضى وليست له في هذا الحال حلوبة
والفقير معناه في كلام العرب : المفقور الذي نُزِعَتِ فِقَره من ظهره فانقطع صُلْبُهُ من شِدَّة الفَقْر فلا حال هي أوكد من هذه
قال الشاعر :
لما رأى لُبَدُ النسورَ تطايَرَتْ**رَفَعَ القوادِم كالفقيرِ الأَعْزَلِ
أي لم يطق الطيران فصار بمنزلة من انقطع صُلْبه
والدليل على هذا قول الله عز وجل:
" أو مسكيناً ذا مَتْربة ٍ" الآية ( البلد 16)
معناه أو مسكيناً لصق بالتراب من شدة الفقر
وجُمع بين الأقوال بأن قيل: إن اصطلاح المسكين والفقير قد يأخذ كل منهما معنى الآخر، إذا افترقا اجتمعا، يعني: إذا جاء المسكين في سياق ليس معه الفقير يأخذ معنى المسكين والفقير، وإذا جاء ومعه الفقير في سياق واحد، يكون الفقير أقل حاجة من المسكين، فهنا المسكين جاء في السياق وحده، لم يرد معه ذكر للفقير، فأخذ معنى الفقير والمسكين، وهو كاصطلاح البر والتقوى، فالبر إذا جاء منفرداً أخذ معه معنى التقوى:
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة:177]، فالبر أخذ معنى التقوى في بعض الأعمال. من عدة مراجع ومواقع
فمن عنده دليل آخر فليتفضل ويطلعنا عليه ..
في النهاية كلنا فقراء الله
أغنانا الله وإياكم بفضله وعفوه وكرمه